الفرق بين مشكلة وإشكالية البحث

الفرق بين مشكلة البحث وإشكالية البحث: تحليل دقيق للمفاهيم

تعد عملية البحث العلمي أحد الأعمدة الأساسية التي تستند عليها العديد من التخصصات العلمية في تطوير المعرفة وحل القضايا المعقدة. وعند النظر في مفاهيم البحث العلمي، نجد أن هناك العديد من المصطلحات التي قد تتداخل وتسبب لبساً لدى الباحثين الجدد. من بين هذه المصطلحات، نجد مصطلحي “مشكلة البحث” و”إشكالية البحث”، وهما من أهم المفاهيم التي تحدد إطار البحث العلمي منذ بداية تصميمه وحتى مرحلة عرض نتائجه.

قد يبدو للوهلة الأولى أن المصطلحين متشابهان أو حتى مترادفين، لكن في الواقع، هناك فرق دقيق بينهما. في هذا المقال، سنتناول هذا الفرق بشكل مفصل ونوضح كيفية تأثير كل منهما على سير العملية البحثية.

1. مفهوم مشكلة البحث

مشكلة البحث هي نقطة الانطلاق في أي دراسة علمية. وهي تعني التحديد الواضح والمحدد لموضوع البحث، وهو الجزء الذي يتطلب إجابة أو حل من خلال استخدام أدوات البحث العلمي المختلفة. تكمن مشكلة البحث في الغالب في فراغ معرفي أو تساؤل قائم لم يتم الإجابة عليه بعد في الأدبيات العلمية، أو في خلل أو حاجة يواجهها المجتمع العلمي أو الاجتماعي أو الصناعي.

خصائص مشكلة البحث:

• التحديد الدقيق: لا يمكن لمشكلة البحث أن تكون غامضة أو عامة؛ يجب أن تكون واضحة تمامًا وتحدد بؤرة البحث بشكل دقيق.

• الإجابة المحددة: مشكلة البحث عادة ما تحتوي على تساؤل أو مجموعة من التساؤلات التي يسعى الباحث للإجابة عليها من خلال جمع وتحليل البيانات.

• القابلة للبحث: لكي تكون المشكلة ذات قيمة علمية، يجب أن تكون قابلة للتحقيق من خلال البحث التجريبي أو النظري.

• ارتباطها بالواقع: ينبغي أن ترتبط مشكلة البحث بالحياة العملية أو بتطورات جديدة في مجال معين.

على سبيل المثال، إذا كان الباحث يدرس تأثير التغيرات المناخية على الزراعة، فإن مشكلة البحث قد تكون: “ما هو تأثير التغيرات المناخية على إنتاجية المحاصيل في منطقة معينة؟”

2. مفهوم إشكالية البحث

إشكالية البحث هي مفهوماً أكثر شمولية وتعقيدًا مقارنة بمشكلة البحث. بينما تركز مشكلة البحث على تساؤل محدد، تتعلق الإشكالية بتساؤلات أوسع وأكثر تركيبًا حول كيفية تفسير الظواهر، وما هي الأسباب التي تساهم في حدوثها، وما هي العلاقات المتشابكة بين المتغيرات المختلفة. إذًا، الإشكالية تتناول الموضوع بشكل موسع وتطرح تساؤلات فلسفية ونظرية تتطلب تفكيرًا معمقًا وتحليلًا واسعًا.

خصائص إشكالية البحث:

• النظرة الشاملة: تتسم الإشكالية بأنها أوسع نطاقًا من مشكلة البحث، حيث تشمل جميع الأبعاد التي تساهم في تفسير الظاهرة المدروسة.

• التعقيد والتشابك: غالبًا ما تكون الإشكالية معقدة ومتشابكة، حيث تتداخل عدة مفاهيم أو متغيرات قد يصعب على الباحث تحديدها بشكل دقيق في بداية الدراسة.

• التركيز على الأسباب والعوامل: تُعنى الإشكالية بفهم الأسباب والعلل التي تؤدي إلى ظاهرة معينة أو تفسير العلاقات بين مختلف المتغيرات.

• التفاعل مع النظريات: الإشكالية تتطلب غالبًا التفاعل مع مجموعة من النظريات أو الآراء المتباينة في الأدبيات العلمية.

على سبيل المثال، إذا استمر الباحث في دراسة تأثير التغيرات المناخية على الزراعة، فقد تطرح الإشكالية تساؤلات أكثر تعقيدًا مثل: “كيف تؤثر السياسات الحكومية في مكافحة التغيرات المناخية على الاستدامة الزراعية؟ وما هو الدور الذي تلعبه التغيرات الاجتماعية في استجابة المزارعين لهذه التحديات؟”

3. الفرق بين مشكلة البحث وإشكالية البحث

يكمن الفرق الرئيسي بين مشكلة البحث وإشكالية البحث في نطاق كل منهما وعمقها. يمكن تلخيص الفرق بينهما في النقاط التالية:

1. النطاق

• مشكلة البحث: تقتصر على تساؤل أو مجموعة من التساؤلات التي يمكن الإجابة عليها من خلال البحث العلمي المحدد.

• إشكالية البحث: تكون أكثر شمولًا، حيث تشمل مجموعة من الأسئلة المعقدة التي قد تتداخل فيها العديد من العوامل والأبعاد المختلفة.

2. التركيز

• مشكلة البحث: تركز بشكل أساسي على تحديد الظاهرة أو الموضوع الذي سيتم دراسته والبحث في أبعاده المحددة.

• إشكالية البحث: تتعامل مع محيط المشكلة بشكل أكبر، وتناقش الأسباب والعلل وتدور حول تفسيرات أوسع للظاهرة.

3. التعقيد

• مشكلة البحث: عادة ما تكون أكثر تحديدًا وبسيطة، ويتم التوصل إلى حلها عبر جمع البيانات وتحليلها.

• إشكالية البحث: أكثر تعقيدًا، وقد تتطلب نظريات متعددة لتفسير الظواهر المدروسة وتحتاج إلى تحليل عميق للمفاهيم والعوامل المختلفة.

4. الارتباط بالنظريات

• مشكلة البحث: قد لا تكون مرتبطة بشكل وثيق بالنظريات، بل تركز على تطبيق المعرفة الحالية للإجابة على تساؤل معين.

• إشكالية البحث: غالبًا ما تكون مرتبطة بشكل وثيق بالنظريات المختلفة وتستخدمها لتحليل الظاهرة المدروسة.

5. التوقيت في البحث

• مشكلة البحث: تظهر في بداية البحث، وتحدد الاتجاه الذي سيسلكه الباحث.

• إشكالية البحث: قد تظهر قبل أو أثناء عملية البحث، حيث يقوم الباحث بتطوير إشكالية البحث بناءً على مراجعة الأدبيات وتحليل المشكلات.

4. تأثير الفرق بين المشكلة والإشكالية على تصميم البحث

فهم الفرق بين مشكلة البحث وإشكالية البحث له تأثير كبير على طريقة تصميم البحث وتنفيذه. بناءً على هذا الفرق، يتوجب على الباحث أن يتعامل مع كل منهما بشكل منفصل لتحقيق أقصى قدر من الدقة والفعالية.

1. تحديد مشكلة البحث

عند تحديد مشكلة البحث، يجب أن يكون الباحث حريصًا على أن تكون المشكلة قابلة للبحث وتتناسب مع الإمكانيات المتاحة له من حيث الوقت، الموارد، والمهارات البحثية. يهدف الباحث من خلال هذه المشكلة إلى الإجابة على تساؤل محدد يعكس فجوة معرفية موجودة في المجال العلمي.

2. تحديد إشكالية البحث

في المقابل، عندما يضع الباحث إشكالية البحث، فإنه ينظر إلى القضية بشكل أوسع، ويعمل على ربط الظواهر المدروسة بمجموعة من العوامل المتشابكة. يحتاج الباحث في هذه المرحلة إلى التفكير في النظريات المختلفة التي يمكن أن تساعد في تفسير هذه الظواهر، كما ينبغي له أن يعكف على دراسة الأدبيات السابقة لتحديد الثغرات التي لم يتم تناولها من قبل.

5. أهمية فهم الفرق بين مشكلة البحث وإشكالية البحث

يعد فهم الفرق بين مشكلة البحث وإشكالية البحث من العوامل الأساسية التي تسهم في تحسين جودة البحث العلمي وفعاليته. يساعد هذا الفهم الباحث على:

• تحديد ما إذا كان يتعامل مع قضية محددة تتطلب حلًا مباشرًا أم أنه يعمل على قضية ذات طابع نظري أكثر تعقيدًا.

• توجيه تصميم البحث بشكل أكثر دقة، واختيار المنهجية الأنسب سواء كانت كمية أو نوعية.

• وضع إطار عملي ومتسق لإجراء البحث بحيث يمكن تحليل الظاهرة بشكل شامل ومتعدد الأبعاد.

• ضمان أن البحث يستند إلى تساؤلات واضحة ويأخذ في اعتباره التنوع في العوامل التي تؤثر على الظاهرة المدروسة.

الخاتمة

إن التمييز بين مشكلة البحث وإشكالية البحث يعد خطوة محورية في بداية أي دراسة علمية. بينما تركز مشكلة البحث على تساؤل محدد يتطلب إجابة علمية واضحة، تأخذ الإشكالية البحثية منحى أكثر شمولية، حيث تطرح تساؤلات معمقة تتعلق بالأسباب والعلل والعلاقات بين المتغيرات المختلفة. هذا الفهم الدقيق يمكن أن يساعد الباحثين على تحسين تصميم أبحاثهم وتحديد المنهجيات الأكثر ملاءمة للوصول إلى نتائج دقيقة وموثوقة.